Tafsir Ibnu Katsir Surat Al Fatihah 9

Tafsir Ibnu Katsir Surat Al Fatihah 9


 " فَصْل " وَالِاسْتِعَاذَة هِيَ الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالِالْتِصَاق بِجَنَابِهِ مِنْ 
شَرّ كُلّ ذِي شَرّ وَالْعِيَاذَةُ تَكُون لِدَفْعِ الشَّرّ وَاللِّيَاذ يَكُون لِطَلَبِ جَلْب الْخَيْر كَمَا قَالَهُ الْمُتَنَبِّي : 

يَا مَنْ أَلُوذ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلهُ
وَمَنْ أَعُوذ بِهِ مِمَّنْ أُحَاذِرهُ

لَا يَجْبُر النَّاس عَظْمًا أَنْتَ كَاسِرهوَلَا يَهِيضُونَ عَظْمًا أَنْتَ جَابِره

وَمَعْنَى أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم أَيْ أَسْتَجِير بِجَنَابِ اللَّه مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم أَنْ يَضُرّنِي فِي دِينِي أَوْ دُنْيَايَ أَوْ يَصُدّنِي عَنْ فِعْل مَا أُمِرْت بِهِ أَوْ يَحُثّنِي عَلَى فِعْل مَا نُهِيت عَنْهُ فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَكُفّهُ عَنْ الْإِنْسَان إِلَّا اللَّه وَلِهَذَا أَمَرَ تَعَالَى بِمُصَانَعَةِ شَيْطَان الْإِنْس وَمُدَارَاته بِإِسْدَاءِ الْجَمِيل إِلَيْهِ لِيَرُدّهُ طَبْعه عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ الْأَذَى وَأَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنْ شَيْطَان الْجِنّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَل رِشْوَة وَلَا يُؤَثِّر فِيهِ جَمِيل لِأَنَّهُ شِرِّير بِالطَّبْعِ وَلَا يَكُفّهُ عَنْك إِلَّا الَّذِي خَلَقَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى فِي ثَلَاث آيَات مِنْ الْقُرْآن لَا أَعْلَم لَهُنَّ رَابِعَة قَوْله فِي الْأَعْرَاف  " خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنْ الْجَاهِلِينَ " فَهَذَا فِيمَا يَتَعَلَّق بِمُعَامَلَةِ الْأَعْدَاء مِنْ الْبَشَر ثُمَّ قَالَ " وَإِمَّا يَنْزَغَنَّك مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ سَمِيع عَلِيم " وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ " اِدْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن السَّيِّئَة نَحْنُ أَعْلَم بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَبّ أَعُوذ بِك مِنْ هَمَزَات الشَّيَاطِين وَأَعُوذ بِك رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ" وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَة حم السَّجْدَة " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَة وَلَا السَّيِّئَة اِدْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن فَإِذَا الَّذِي بَيْنك وَبَيْنه عَدَاوَة كَأَنَّهُ وَلِيّ حَمِيم وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم وَإِمَّا يَنْزَغَنَّك مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم " .

 الشَّيْطَان فِي لُغَة الْعَرَب مُشْتَقّ مِنْ شَطَنَ إِذَا بَعُدَ فَهُوَ بَعِيدٌ بِطَبْعِهِ عَنْ طِبَاع الْبَشَر وَبَعِيد بِفِسْقِهِ عَنْ كُلّ خَيْر وَقِيلَ مُشْتَقّ مِنْ شَاطَ لِأَنَّهُ مَخْلُوق مِنْ نَار وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول كِلَاهُمَا صَحِيح فِي الْمَعْنَى وَلَكِنَّ الْأَوَّل أَصَحّ وَعَلَيْهِ يَدُلّ كَلَام الْعَرَب .

 قَالَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت فِي ذِكْر مَا أُوتِيَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام : 

أَيّمَا شَاطِن عَصَاهُ عَكَاهُ
ثُمَّ يُلْقَى فِي السِّجْن وَالْأَغْلَال

فَقَالَ أَيّمَا شَاطِن وَلَمْ يَقُلْ أَيّمَا شَائِط وَقَالَ النَّابِغَة الذِّبْيَانِيّ وَهُوَ زِيَاد بْن عَمْرو بْن مُعَاوِيَة بْن جَابِر بْن ضَبَاب بْن يَرْبُوع بْن مُرَّة بْن سَعْد بْن ذُبْيَان : 

نَأَتْ بِسُعَاد عَنْك نَوَى شَطُون
فَبَاتَتْ وَالْفُؤَاد بِهَا رَهِين

يَقُول بَعُدْت بِهَا طَرِيق بَعِيدَة وَقَالَ سِيبَوَيْهِ الْعَرَب : تَقُول تَشَيْطَنَ فُلَان إِذَا فَعَلَ فِعْل الشَّيَاطِين وَلَوْ كَانَ مِنْ شَاطَ لَقَالُوا تَشَيَّطَ فَالشَّيْطَان مُشْتَقّ مِنْ الْبُعْد عَلَى الصَّحِيح وَلِهَذَا يُسَمُّونَ كُلّ مَنْ تَمَرَّدَ مِنْ جِنِّيّ وَإِنْسِيّ وَحَيَوَان شَيْطَانًا قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضهمْ إِلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل غُرُورًا " وَفِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد عَنْ أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَبَا ذَرّ تَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ " فَقُلْت أَوَلِلْإِنْسِ شَيَاطِين ؟ قَالَ " نَعَمْ" وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي ذَرّ أَيْضًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَقْطَع الصَّلَاة الْمَرْأَة وَالْحِمَار وَالْكَلْب الْأَسْوَد " فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه مَا بَال الْكَلْب الْأَسْوَد مِنْ الْأَحْمَر وَالْأَصْفَر ؟ فَقَالَ :" الْكَلْب الْأَسْوَد شَيْطَان " .